الأحد، 20 سبتمبر 2015

بات يكره نفسه حين كان طفلاً




عاد في ساعة متقدمة من الليل، وقف أمام منزلهم وأخذ يتفحص جيوبه كأنه يبحث عن شيء دقيق الحجم، لقد بدا له أصغر مما يبدو عليه في الحقيقة. هاهو أخيرًا، وبينما هو يخرج المفتاح علقت محفظته بطيات كمه وسقطت، عيناه لم تنصرف عنها طيلة محاولته في إيجاد ثقب القفل، ثم بعد مضي بضع نظرات متبادلة التقطها وفي نفسه إليها عذر كبير، كأنما الذي سقط بين قدميه أحد أطفاله، كان آسفًا لها حتى بصفتها جماد لا يحس أو يستجدي العذر.
دفع باب غرفته بهدوء، الظلام يعم المكان، يمارس أحقيته في أن يكون السيد في غياب النور، يتمرد على أثاث غرفته، يخيف عقارب ساعة الحائط؛ التي ما زالت تجري مؤملة أن تتخطى إطارها الدائري الموحش.
تسمّر مكانه للحظة، يفكر كيف من الممكن أن تصل يده المرتعشة إلى قابس الكهرباء، قبل أن يهرب الظلام فيراه بهيئته الحقيقية، يتعرف على هذه الملامح الخفية، لقد سئم كونه لا يستطيع فضح هذا الموشح بالسواد، الهارب على الدوام.
هرب الظلام مثلما هو الحظ دائما، فما إن يسمع صوت المفتاح يومض مرتين كإشارة صراع مع النور ثم يولي هاربًا، لكنه لا يهرب بعيدًا على أية حال، إنما يتوارى خلف جفني سهره ويمثل أنه البن في قعر فنجانه.
النور يتسيد، ويالهذا السؤدد المؤقت، الذي لا ينفك يُسلب في أضعف محاولة لنده الأوحد.
تبدو الغرفة واجمة بعد نظرته الأولى لها، ملامحها تطرح عشرات الأسئلة، أينك عني؟
الحائط يسأل: لماذا تركتني أستغرق في الوقوف هكذا؟
ولمَ هذه الندوب التي أحدثتها الدسر على صدري دونما براويز وصور؟
لم يعتلّ همّ الأسئلة الموجهة إليه منها، إنما هم الأسئلة التي تتدولب في رأسه وترتطم يمنة وشمالا دون هوادة ورفق؛ لمَ كان على محفظتي أن تسقط في هذا الوقت؟ أكمّي على اتفاق معها ليثأر من طيي له وإظهاره بشكل غير متسق؟ أكان علي أن أنظر لتلك الصورة التي بين دفتي محفظتي لأتأكد من وجودها؟
الوساوس تعبث بصدره، تغشي عليه فلا يميز ماذا يرى، يعود بين الشك واليقين لمحفظته فيجد أن ملامحه في الصورة ما زالت مثلما رآها أمام الباب، حانقة ساخطة مدماة، كأنما شج رأسه إثر سقوط المحفظة، رآها على عكس حقيقتها الأصل؛ التي كانت وهو في سن التاسعة من عمره، ذات الجودة العالية والملامح المغرقة بالبراءة والبشاشة.
أضحى يحدث نفسه: هل جننت؟
مالي صرت أراني هنا، هل استحال "أناي" الطفل إلى لعنة تطاردني؟
يقفز أمامي، يجر الغطاء عن وجهي ويفزعني بوجهه المدمى.
من دله علي بعد هذا العمر؟
كيف له أن يعاقبني من أجل سقوط غير مقصود، وأنا الذي سقطت مرارا في سبيل نهوضه؟
دفن رأسه بين وسادتيه والأسئلة تحوم فوقه كسرب غربان متوحشة مسعورة، الطفل ما زال يجر الغطاء، وحينا يقتعد الوسائد ويضغط على رأسه.
ما عاد بمقدوره تحمل أذى هذا الطفل، أمسك بصورته فنظر إليها نظرة أخيرًا، نظرة غير آسفة رغم أنه لا يملك من صور طفولته واحدة غيرها، ثم مزقها غير آسف على طفولته، لقد بات يكره نفسه حين كان طفلا.

أحمد سالم.
@iEzOr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق